في أكتوبر 2019 استيقظت مصر على جريمة شنعاء ، حيث قام القصر محمد أشرف راجح وثلاثة آخرين بقتل محمود البنا الشهير بشهيد الشهامة، بعد أن قام القتيل بمعاتبة القاتل على صفحات السوشيال ميديا لإهانته وضربه فتاة في الشارع وتشويه سمعتها على صفحات السوشيال ميديا ، وبدلاً من أن يراجع راجح نفسه ويرجح كفة العقل ، إنحاز لأهوائه وانتظر الضحية أثناء توجهه للدرس مطاردًا إياه بسلاح أبيض ، وحين حاول الضحية الهرب منعه شركاء القاتل الذي سدد له طعنات نافذة أودت بحياته في الحال.
كان لبشاعة الجريمة التي صورتها كاميرات المراقبة في الشوارع أثرها في زيادة الغضب المجتمعي الذي عبرت عنه النيابة العامة ممثلة المجتمع، حيث أحالت المتهمين بعد ثلاثة أيام لمحاكمة جنائية عاجلة متهمة إياهم بالقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.
وقبل مرور شهرين عاقبت محكمة جنايات الطفل مركز تلا القاتل محمد راجح، ومصطفى محمد، وإسلام عاطف بالسجن 15 سنة، وإسلام إسماعيل بالسجن 5 سنوات.
وبعد طعن المتهمين في الحكم أيدت محكمة النقض يوم الاثنين 27 سبتمبر الحكم السابق ورفضت طعون المتهمين.
وشهدت هذه الجريمة البشعة الكثير من الإشاعات التي دفعت النيابة العامة للتصدي لها، مثل ادعاء وجود تلاعب في سن المتهم الرئيس حتى يخضع لقانون الطفل وأن عمره يزيد عن الثمانية عشر عامًا. وممارسة ضغوط وتدخلات في القضية. فكان أن أصدرت النيابة العامة ما يؤكد استخدامها كل الوسائل للتحقق من السن الحقيقي للمتهم الذي تبين أنه أقل من ثمانية عشر عامًا، وأنه لا مجال لأى تدخلات من أي طرف كان، فالجميع أمام القانون سواء.
وكان أن رفض الكثيرين توقيع عقوبة السجن 15 عامًا فقط على المتهمين موجهين أصابع الاتهام للمحكمة عن جهل ، ذلك أن اتفاقية حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة تنص على عدم جواز إعدام القاصرين ، كما استقرت معظم التشريعات العربية على أن سن الرشد يكون بإتمام الحدث لسن الثامنة عشر من العمر مثل القانون العراقي والسوري والمصري والإماراتي والكويتي والبحريني.
وترفع بعض التشريعات سن الرشد إلى 21 سنة ” مثل السويد وتشيلي، بينما خفضته بعض الدول إلى 16 سنة مثل الهند وباكستان، وتطبق بعض الدول عقوبة الاعدام على من يقل عمرهم عن 18 عامًا ” مثل السعودية واليمن والسودان.
وتخفض المغرب عقوبة الحدث إذا كانت الاعدام إلى السجن فترة تتراوح بين عشر سنوات وخمسة عشر سنة، أما في مصر فيخفض قانون العقوبات وقانون الطفل عقوبة القاتل الذي لم يبلغ ثمانية عشر عامًا وقت ارتكاب الجريمة إلى السجن المشدد خمسة عشر عامًا.
وبالتالي فإن المحكمة حين قضت بالحكم بالسجن المشدد خمسة عشر عامًا على المتهمين قد وقعت عليهم أقصى عقوبة طبقًا للقانون. وحتى لو تم تعديل القانون فإن التعديل لن يطبق على المتهمين في هذه القضية كما طالب البعض تطبيقًا لقاعدة عدم رجعية القوانين، حيث لا يطبق القانون إلا على الوقائع المرتكبة بعد صدوره.
ونرى أنه في ظل زيادة ارتكاب الجرائم العنيفة شديدة الخطورة من أشخاص يقل عمرهم عن ثمانية عشر عامًا، وازدياد الوعي لدى الأعمار السنية المختلفة عما كان عليه وقت أن استقرت تلك القاعدة في القرن العشرين، وازدياد المعرفة والتقدم التكنولوجي الذي فتح الآفاق أمام الكثير من الجرائم ممن يعتبرون أحداث، وزادهم عدم توقيع العقوبة استهتارًا ومخالفة للقانون ، ضرورة تعديل القانون بتخفيض سن الحكم بعقوبة الإعدام على الأحداث ليصبح ستة عشر عامًا في حالة ارتكاب الجرائم العمدية المعاقب عليها بالإعدام مثل القتل العمد.
أما القاتل الحقيقي في هذه الجريمة والذي لن تطاله العقوبة فهو ولي الأمر الذي يهمل مراقبة أطفاله وشبابه في مراحل عمرية حرجة تتشكل فيها شخصياتهم، وتركهم فريسة لوسائل محو الهوية، تشوه فطرتهم السوية، مما جعلهم يستبدلون مجالس العلم والأدب بمجموعات السخرية والذم، وأصبح الأطفال يتعلمون من منشورات حسابات مجهولة ما يسمم أفكارهم بغير ضابط أو رابط، المجرم الحقيقي هو أفلام ومسلسلات تساوي المجرمين بأصحاب البطولات، بل تجعلهم أعلى منهم درجة، فضاعت القيم الثابتة واختلت الموازين وتهدد بالخطر أبنائنا من البنات والبنين.